ما حدث اليوم في استفتاء التعديلات الدستورية - بغض
النظر عن نتيجتها - اظهر مدي تحضر وايجابية شعب عاني الامرين خلال الثلاثين عاما
المنصرمة للحصول علي اقل حقوقه الدستورية الا وهي حقه في تحديد مصيره وتنفيذ ارادة
الشعب في حكم نفسه بنفسه عن طريق رجال مخلصين يخدمون البلاد ولا يجعلونها خدما ..
ان حسني مبارك قد قفز علي سدة الحكم ولم يعترض الشعب وقتها فكان اولي به ان يثبت
للمصريين انه كفء لهذا المنصب الخطير ويقوم علي خدمة البلاد ونهضتها بوطنية من
المفروض انها تسري في دمائه بحكم وظيقته العسكرية .. ولكن مبارك عامل شعبه بكل قسوة
وكأن الشعب خصم طالما كرهه وكان بمثابة ضرة له .. لقد وضع مبارك البلاد وما فيها
تحت سيطرته المطلقة وكأنها ورث وضيعة يفعل بها ما يشاء بالايجاب او السلب .. وبدأت
مصر في السقوط الاقتصادي والتنموي والحضاري والسياسي منذ بداية عهد مبارك وكأن من
يحكمها قد وضع امام عينيه اغراق البلاد عن عمد دون رحمة .. ان شخصية مبارك المنفذة
للأوامر دون مناقشة لاتصلح لتكون شخصية رئيس لبلاد مثل مصر تحتاج لجريء واثق ذكي
سريع البديهة وخطيب ماهر .. وللاسف معظمها لا توجد في مبارك .. فهو موظف مجتهد يصلح
لقيادة طائرة كتب لها خط سير محدد وهدف تضربه او قاطرة تسير وفق قضبان تحدد لها
هدفها .. أما القائد والزعيم والخطيب فهو ليس بالطبع مبارك .. كان عبد الناصر
والسادات مستوفين لشروط الزعامة واسر القلوب .. اما مبارك فلا .. وكان من نصيب
الشعب المصري طوال ثلاثين عاما ان يعاني حكم رجل غير مؤهل لاخطر منصب في البلاد
فكانت الاخطاء والاهواء هي النتائج التي تحملها اغلبية المواطنين دون ذنب .. كما
كانت صفة اخري في حسني مبارك هي القشة التي قطمت ظهر البعير .. الا وهي العند ..
والتمسك بالرأي حتي ولو خطأ .. وكل من حوله للجحيم .. وكان من عجائب الاقدار ان
تكون صفة العند في مبارك هي المسببة في سقوطه .. فثورة 25 يناير ولدت لاحداث تغيير
سياسي كبير في البلاد طالب به اغلب المصريين .. ومع عناد مبارك وتجاهله لمتطلبات
شعبه علي مدي عشرات السنين زاد من حنق المصريين .. ومع قتل المتظاهرين العزل بدم
بارد والاصرار علي التمسك بمجريات الامور في يديه تطورت الثورة لتطول شخص مبارك
ومنصبه وتجبره علي ترك منصبه بالقوة وحصوله علي كره المصريين له ولاسرته عن جدارة
بصورة لم يصل اليها اي حاكم لمصر في العصور الحديثة .. لقد هدم مبارك نفسه بنفسه
وكتب سيرته في التاريخ بصورة مخزية لا يرضي عنها اي شخص .. لقد جعل مبارك ونظامه
علي مر العقود المصريين يكرهون الخروج للاستفتاء او الانتخاب والادلاء برأيهم
لتقرير مصيرهم كونهم لا يرون الا التتزوير والمهانة والاذلال والتبجح وكأن مبارك
ومن حوله سيأخذون أماكنهم ومناصبهم واموالهم للقبر ثم للجنة بعد ذلك وان جزاء
المعارضة او الاشتباه في المعرضة هي السحل والضرب والاعتقال والاهانة وحتي القتل ..
ان التاريخ يكرر نفسه بصورة رهيبة ..ففي ايام الدولة القديمة من زمن الفراعنة كانت
العقيدة المصرية تقول ان الملك وهو الاله يدخل الجنة بعد الموت هو واسرته ووزارئه
ومن يرضي عنهم فقط اما باقي الرعية فلا جنة وبالتالي لاتحنيط ولا قبر .. واستحمل
المصريون واحترموا ملوكهم مئات السنين لعلهم يردون لهم آدميتهم وحقوقهم حتي في
الاخرة ومع زيادة التسلط والجبروت قام الشعب بثورته الاجتماعية الكبري مع نهاية
الدولة القديمة وحطم كل ما يخص الملوك من مقابر واهرام واخرجوا جثثهم المحنطة
والقوا بها في الطريق كفرا بهم وبمن اذلهم حتي تغيرت العقيدة رغما عنهم علي ايدي
الكهنة ( الحزب الوطني ) واصبحت الجنة للجميع واصبح الملك نصف اله بدلا من اله كامل
وهكذا اخذ الشعب حقوقه بالقوة القاهرة بعد ان اعطي ملكه الفرصة تلو الخري علي مدي
السنين الطويلة .. ولكن الملك تجاهل الرعية وكأنهم خدم لا اسياد .. فكان لابد من
السيد ان يظهر سيادته وحريته لمن اعتقد خطأ بأنه امتلكه وورثه . .. !!! ..